غادة حلاوي
ليس بعيداً ان الحرب المشتعلة في غزة ستلقي بثقلها على مسار التفاوض اللبناني الاسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية، وستغير زخم التدخل الاميركي وطريقة التعاطي التي قد تدفع الاميركي للعب دور اكثر توازناً بين الطرفين، بعدما بقيت الدفة تميل بوضوح شديد الى الوقوف بجانب الاسرائيلي. وقد يجعل تطور المواجهات في القدس وغزة وتل ابيب وتيرة التفاوض اللبناني الاسرائيلي مغايراً عما عهدته سابقاً، لأن اسرائيل المهزومة لن تكون ذاتها التي تستطيع اعادة فرض شروطها.
وأولى نتائج المعارك الدائرة حالياً ستكون من خلال التداعيات الجوهرية على اركان السلطة الحاكمة ولا سيما نتنياهو الذي سيأفل نجمه ويحاسب بمفعول رجعي، او يستطيع ان ينفذ الى التقدم مجدداً على منافسيه على أساس ان صوت المعركة سيعلو على كل الاصوات، ونتائجها سترسم مسارات جديدة للتفاوض والحكم معاً في اسرائيل التي حتما ستكون بعد عملية الشيخ جراح غيرها عما كانت عليه سابقاً. أحدثت غزة والقدس أكبر تحول استراتيجي تشهده فلسطين المحتلة بعد انتصار لبنان في حرب تموز 2006.
قلبت المواجهات الحاصلة كل المعطيات لا سيما في ضوء المعلومات التي تشير الى ان نتنياهو ينوي الذهاب بالمعركة حتى النهاية، مع امكانية شن حرب واسعة وتشكيل حكومة بالشكل الذي يريده. مصادر مراقبة تشبّه ما يحصل في غزة بما جرى في العام 2006 الذي ارسى توازن رعب جديداً بين "حزب الله" واسرائيل. وكما في الماضي كذلك اليوم فان العالم مقبل على ارساء قواعد بين اسرائيل والفلسطينيين هذه المرة، بحيث تشكل المواجهات الحاصلة والمعركة الميدانية نقطة تحول عسكرية نتيجة القدرات المتطورة للمقاومة الفلسطينية، التي تمكنت من اطلاق سبعة صواريخ من غزة باتجاه القدس. تطورات ميدانية ستجمد حكماً تطور مسار التطبيع بين اسرائيل ودول الخليج، وستزعزع امن الكيان الاسرائيلي وتبدل واقع مشروع حيفا. أما الواقعة الأهم والأخطر فتلك التي تمثلت باستهداف مطار بن غوريون واقفاله لأيام والتي تعد سابقة في تاريخ الكيان الاسرائيلي، بحيث لم تعد اسرائيل الدولة الآمنة للاستثمار، فضلاً عن دخول اسرائيل في حرب داخلية تظهر وهنها السياسي. اذاً، هي مرحلة جديدة سيكون لبنان في عداد المراقبين لوقعها انطلاقاً من الحدود الشمالية حيث غدت اليد على الزناد، استعداداً لرد اي عدوان اسرائيلي محتمل قد يقدم عليه نتنياهو انقاذاً لنفسه، رغم كون الرأي العام الدولي وخصوصاً الاميركي سيتصدى لمثل هذا العمل بدليل ان الجانب الاميركي وخلافاً للعادة لم يظهرتعاطفاً مع الاسرائيليين، وطالب مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إسرائيل بتهدئة الأوضاع في القدس، وأعرب عن قلقه من إجلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح.
ولبنانياً يبرز السؤال عن مصير المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل حول الحدود البحرية. اللافت في هذا السياق الحرص الاميركي على تحريك هذا الملف باستمرار، فبعد آخر جلسة مفاوضات انتهت الى عدم الاتفاق جاءت لافتة زيارة السفيرة الاميركية دورثي شيا لوزير الخارجية شربل وهبة، للبحث في ملف ترسيم الحدود. وتنقل مصادر سياسية معنية بالملف أن الحوار اللبناني - الاميركي حول ترسيم الحدود لا يزال يجري تحت سقف محاولات رئيس الجمهورية ميشال عون والمبعوث الاميركي ديفيد هيل لانجاحه. وتوضح المصادر ان الجانب الاميركي وخلال جلسة التفاوض الاخيرة لم يلعب دور الوسيط ويلتزم بدوره المتفق عليه، وترك الامور تجري من دون تدخله المفترض ان يتبلور في الجلسات المقبلة. وتلاحظ المصادر عينها "تعاطياً أميركياً عقلانياً" وأن شيا تحدثت مؤخراً عن تكوّن قناعة اميركية بأن عون يريد حلاً لموضوع الحدود، وان ما حصل لا يعني ان المفاوضات وصلت الى حائط مسدود.
ولكن ازاء المستجدات الميدانية كيف سيكون عليه مصير هذه المفاوضات وهل سيتم ارساء قواعد تفاوض جديدة تفيد الجانب اللبناني، خصوصاً وان اسرائيل قد تكون مجبرة على وقف عمليات التنقيب على الحدود الشمالية لما يشكله ذلك من عملية محفوفة بالمخاطر. ينتظر الوفد المفاوض القرار الاميركي بالعودة الى طاولة التفاوض انطلاقاً من الأسس التي أرساها في جلساته الاخيرة، معززاً بموقف عون وهو يأمل ان الوضع الميداني في فلسطين المحتلة سيصب في مصلحة تعزيز الموقف اللبناني.